, سهيل بن محمد، كلتوري
,
سلام على من اتّبع الهدى

Sunday, April 3, 2016

روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني

ترجمة الشيخ الألوسي (ر)


هو أبو الثناء شهاب الدين، محمود بن عبد الله بن محمود بن درويش بن عاشور، ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب (ر). وأما نسبته: فقد اختُلِف فيها: فالألوسي: "قيل نسبة إلى (أَلُوس) بالقصروهو ما ر جحه محمد بهجة الأثري وهيقرية في الفرات، قرب عانات، وقيل نسبة ألى(أ لُوس) بضم الألف واللام. وقيل نسبة إلى (آلوسة) بالمد وضم اللام وسكون الواو بعده سين مهملة مفتوحة، وقيل غيرذلك.

حياته:-
ولد رحمه الله بالكرخ قبيل ظهر رابع عشر شعبان ١٢١٧ ه - ١٨٠٢ م. كان أبوه رئيسا للمدرسين في بغداد، وكان منزله ببغداد قبلة القاصدين منهم للاستفادة والتوجيه، وقد تفتحت عينا شهاب الدين فرأى أباه والعلماء من حوله فسار في طريقهم، وقد لاقى اهتماما كبيرا من والده، فكان ذلك سببا مباشرا في نبوغه، فتلقى العلوم عن مشايخ عصره الذين كان في مقدمتهم أبوه ثم تولى التدريس والتأليف ووعظ وهو ابن ثلاث عشرة، وأكثر من إملاء الخطب والرسائل، والفتاوى والمسائل، ثم خاض غمار السياسة بمناصرته لداود باشا مساندا له في إصلاحاته ووقوفه معه أثناء الحرب عليه، فدفع شيخنا ثمن هذه الوقفة الصادقة إذ ألقى القبض عليه وأودع السجن إلا أن محنته لم تطل حيث أفرج عنه الولي الجديد رضا باشا وأسند إليه مناصب علمية عديدة من أهمها توليته منصب الإفتاء الذي كان يعد أكبر وظيفة علمية في بغداد ولم يتجاوز يومها الثلاثين عاما، وقد اشترى دارا واسعة، جعل منها جانبا كبيرا لملاقاة تلاميذه والترحيب بالطلبة الغرباء، مسكنا ومطعما ومأوى، وكان الشعراء يقصدونها كل ليلة ليتطارحوا الأشعار على مسمع من المفتي وتلاميذه، ثم دار الزمان دورته على شيخنا فولى محمد نجيب على العراق بعد رضا باشا، فعزل الشيخ عن الإفتاء وضيق عليه سبل حياته كأشد ما يكون، وهو في هذه الأثناء يكتب تفسيره روح المعاني ولم ينقطع عن التأليف، ثم سافر إلى الأستانة حيث لقي ترحابا هناك، ثم عاد إلى بغداد بعد أن غاب عنها واحدا وعشرين شهرا، وبقي فيها حتى مرض وتوفي فيها في ٢٥ ذو القعدة ١٢٧٠ ه ، ودفن رحمه الله تعالى بالقرب من الشيخ معروف الكرخي، وقبره مشهور يزار، وبلغ عمره نحو ثلاث وخمسين سنة. وقد امتدحه ورثاه عدد من الشعراء.
بعض شيوخه
كان أبو الثناء الألوسي موسوعة علم يَّة كبيرة، إذا تك لَّم في علم من العلوم تظن أنه متخصِّ ص فيه ولم يدرس غيره، ورجل كهذا لابد وأن تتعدَّ د مشاربه، ويكثر مشايخه، وهؤلاء المشايخ منهم من درس عليهم، وأخذ عنهم، ومنهم من استجازهم فأجازوه. وأنا هنا سأقتصر على المشهورين منهم:
١.الملا حسين الجبوري، تل قى عنه القرآن العظيم
٢ . والده عبد الله بن محمود الألوسي، أخذ عنه النحو، والفرائض، والفقه الشافعي
٣ . علاء الدين على الموصلي، لازمه أربع عشرة سنة حتى تخرج به وأجازه.
٤ . عبد الله العمري، أخذ عنه قراءة نافع، وابن كثير المكِّ ي، وأبي عمرو البصري.
٥ . عبد العزيز أفندي شواف زاده قرأ عليه في عمل الوضع والبحث والمناظرة،  والفرائض وغير ذلك.
مذهبه
لقد صرَّح الألوسي في بعض كتبه بأنه كان في أول الأمر شافعيا. ثم تح ول بعد ذلك إلىالمذهب الحنفي لسبب من الأسباب، ولم يتح ول تحولاً كاملاً وإنما في المعاملات فقط، كما صرح هو بذلك في مواطن كثيرة من كتابه روح المعاني. وكذلك تك لَّم على مذهبه حفيده أبو المعالي فقال:" وكان في صباه شافع ي المذهب، لا يميل لسواه ولا يذهب، وقلّد مدة إفتائه الإمام أبا حنيفة في معاملاته، وبقي على ما كان عليه في عباداته، وكان بعد عزله يقول: أنا شافعي ما لم يظهر لي الدليل، وإلا فليس عن العمل به من محيل، حيث إن العالم إذا علم الدليل لا يًعذَ ر بالتقليد، وليس عن العمل باجتهاده من محيد".
وفاته
كان الألوسي يعيش في بغداد مع زَّزًا مك رَّمًا، حتى بلغ به الحال أن تقلَّد منصب الإفتاء، وجلس فيه مدة لا بأس بها، ثم بعد ذلك انقلبت الأمور، وتغيرت الأحوال، وأدبرت الدنيا عنه بعد أن كانت مقبلة، على إثر ذلك سافر مضط رًا إلى عاصمة الخلافة، ولاقى في طريقه ما لاقى من الصعاب، وبعد جلوسه هناك ثلاثة عشر شهرًا ظهر له أنه لابد من الإياب، وفي طريق عودته صادف بردًا شديدًا ومطرًا غزيرًا فأثر ذلك على صحته، وما إن وصل إلى بغداد حتى تدهورت حالته، وأصبحت الحمى تعاوده من حين لآخر، حتى مات بسبب هذا المرض، وذلك في شهر ذي القعدة سنة سبعين ومائتين بعد الألف من هجرة سيد المرسلين عليه السلام، وكان عمره آنذاك ثلاثًا وخمسين سنة رحمه الله-.

روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني
                            
                   يعتبر تفسيره هذا من أعظم مؤلفاته شأنا وأجلها قدرا، ولهذا التفسير قصة ذكرها في مقدمة تفسيره، يود الباحث أن يقتبسها منه، حيث ذكر أنه كثيراً ما خطر له أن يُحرر كتاباً يجمع فيه ما عنده من ذلك، وأنه كان يتردد في ذلك ما كان كتبه وجمعه من تفسير لكتاب الله، إلى أن رأى في بعض ليالي الجمعة من شهر رجب سنة ١٢٥٢ ه أن الله جل شأنه أمره بطي السماوات والأرض، ورتق فتقها على الطول والعرض، فرفع يداً إلى السماء وخفض الأخرى إلى مستقر الماء ثم انتبه من نومه وهو مستعظم لرؤيته، فجعل يفتش لها عن تعبير، فرأى في بعض الكتب أنها إشارة إلى تأليف تفسير، فشرع فيه في الليلة السادسة عشرة من شهر شعبان من السنة المذكورة، وكان عمره إذ ذاك أربعة وثلاثين سنة، وذلك في عهد محمود خان بن السلطان عبد الحميد خان. وذكر في خاتمته أنه انتهىمنه ليلة الثلاثاء لأربع خلون من شهر ربيع الآخر سنة ١٢٦٧ ه. وبهذا يكون قد مكث في كتابته ما يقرب من سبع عشرة سنة. ولما انتهى منه جعل يفكر ما اسمه؟ وبماذا يدعوه؟ فلم يظهر له اسم تهتش له الضمائر، وتبتش من سماعه الخواطر، فعرض الأمر على وزير الوزراء علي رضا باشا فسماه على الفور" روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني.  ومما يحب أن يذكره الباحث، ما أورده محمد حسين الذهبي، من أنهم ( ذكروا أن سلوكه في تفسيره هذا كان أمرا عظيما، وسرا من الأسرار غريبا، فإن نهاره كان للإفتاء والتدريس وأول ليله لمنادمة مستفيد وجليس، فيكتب بأواخر الليل منه ورقات، فيعطيها صباحا للكتاب الذين وظفهم في داره فلا يكملونها تبييضا إلا في نحو عشر ساعات). ويعتبر تفسيره هذا من أوسع التفاسير حيث أودع فيه صاحبه جهد من سبقه من المفسرين فكان بحق جامعا لمدارس من سبقه منهم، وقد امتاز صاحبه بمحاربة الإسرائيليات والتوسع في النحو وكذلك الجانب الفقهي كما أنه لم يغفل فيه الجانب البلاغي بل كان حاضرا عنده في معظم الآيات، ويظهر انتمائه للعقيدة السلفية من خلال هذا التفسير ولا يترك فرقة مخالفة لأهل السنة والجماعة إلا رد عليها، ولا يريد الباحث أن يفصل هنا في تفسيره أكثر وسيترك هذا الأمر للفصول القادمة بإذن الله حيث دراسة منهجه في التفسير والتي تقتضي التوسع في تفسيره أكثر من هذا الموطن.
المصادر التي اعتمد عليها في تفسيره:-

سيمر بنا كيف أن الشهاب تلقى العلوم على يد علماء أفذاذ، وأنه كان واسع الإطلاع،كثير القراءة، وانه اهتم بالقرآن وعلومه وتفسيره منذ كان طفلا صغيرا، مما يعني أنه قرأ كل ما وصلت إليه يده من كتب التفسير، وهذا يعني أنه اعتمد في تفسيره على كل ما سبقه من تفاسير، مع تركيزه في الاعتماد على بعضها أكثر من البعض الآخر فهي تعتبر مصادر رئيسية له أكثر من غيرها من كتب التفسير الأخرى. وقد ذكر د.محمد حسين الذهبي، وهو يعرف بهذا التفسير قوله: إن هذا التفسير جامع لخلاصة كل ما سبقه من التفاسير، فتراه ينقل لك عن تفسير ابن عطية،وتفسير أبي حيان، وتفسير الكشاف، وتفسير أبي السعود، وتفسير البيضاوي، وتفسير الفخر الرازي، وغيرها من كتب التفسير المعتبرة، وهو عند نقله عنهم غالبا ما يعبر عن أبي السعود بشيخ الإسلام، وعن البيضاوي بالقاضي، وعن الفخر الرازي بالإمام، وهو ينصب نفسه حكما عدلا بينهم ويجعل من نفسه نقادا مدققا، ثم يبدي رأيه حرا فيما ينقل، لذا تراه كثيرا ما يعترض على ما ينقله عنهم، ويرد على وجه الخصوص على الرازي فيما يتعلق ببعض المسائل الفقهية انتصارا منه لمذهب أبي حنيفة، وهو مع ذلك إذا استصوب رأيا لمن ينقل عنهم، انتصر له ورجحه على ما سواه